إصدار جديد من منشورات مختبر القيم والمجتمع والتنمية بكلية الآداب العلوم والإنسانية بأكادير
في إطار مشروع البحث رقمنة وفهرسة مخطوطات العلوم الشرعية في الصحراء المغربية، معتمد وممول من المركز الوطني للبحث العلمي والتقني المغربي، عنوانه
من خزائن المخطوطات ببلاد البيضان وإفريقيا جنوب الصحراء ـ الجزء الأول ـ
تأليف الباحث بالمختبر الدكتور ياسين بن روان
مؤلف جديد من منشورات مختبر القيم والمجتمع والتنمية
" منظومة القيم في التعليم الجامعي "
تنسيق وتقديم الأستاذ الدكتور الحسن بنعبو
تقديم
إن نظام التربية والتعليم في أمة من الأمم هو مستبطن أسرارها وخصائصها، وحاوي قيمها ومرسخها بين أفرادها، ولا شك أن النظر في مقاصد وأهداف نظامها التعليمي، وخاصة في منظومة قيمه كفيل بالكشف عن مدى أصالته ومناعته من كل اختراق، وعن درجة تحضر تلك الأمة، وعن مدى قدرتها على العطاء والاستمرار.
ولا تنمية بشرية واجتماعية واقتصادية وسياسية بدون وجود تعليم قادر على إنتاج الشرط المعرفي للتنمية المجتمعية الشاملة يجعل أولى أولوياته ترسيخ ثقافة قيمية بناءة وحضارية.
وهناك رهان كبير على ترسيخ هذه القيم في عقول ونفوس الأجيال الصاعدة عبر نظام التعليم والتربية في المغرب، وذلك قصد إيجاد مواطن صالح يتكيف مع التطورات الاجتماعية والثقافية الحاصلة في المجتمع المغربي، ويكون قادرا على التأقلم مع المحيط الخارجي المعولم.
وما أحوج جامعاتنا لعقد حلقات علمية حول واقع القيم في المناهج الدراسية وفي الممارسات التربوية داخل المؤسسات الجامعية. وخاصة في الوقت الراهن الذي يشهد الوسط الجامعي للأسف ترد في مجال الأخلاق والقيم.
وأكيد أن قلة الاهتمام بثقافة القيم معرفة وممارسة هي أحد الأسباب الرئيسة في غموض الرؤى المرحلية والاستراتيجية لسياسة التعليم الجامعي وخاصة في ظل العولمة التي أتت رياحها العاتية بقيم جديدة هزت قيمنا المحلية وتكاد تقتلعها من جذورها بعد أن أهملت ولم تخضع للتجديد.
ونظرا لقلة الاهتمام بالبعد الأخلاقي والقيمي في المجتمع الجامعي تدريسا وبحثا وسلوكا بادر فريق البحث في " المجتمع والدين" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير خلال يومي 03/04 يناير 2012 إلى عقد ندوة علمية متميزة في موضوعها وهو "منظومة القيم في التعليم الجامعي". لدواع عدة أهمها:
أولا: التحسيس بضرورة الاهتمام بالمبادئ الأخلاقية والقيمية في الحرم الجامعي: مهنة وتدريسا وتسييرا وبحثا علميا.
ثانيا: البحوث في مجال القيم على مستوى التعليم المدرسي والثانوي قد تكون نالت حظها من الاهتمام بينما على مستوى الجامعي مازالت الدراسات في هذا المجال ضعيفة وتكاد تكون منعدمة.
ثالثا: يلاحظ على مستوى التخطيط والبرامج التربوية الجامعية غياب رؤية قيمية حين وضع الملفات الوصفية لمسالك الإجازة والماستر.
كما لا يفتنا التنبيه في هذا المقام أن اختيار موضوع الندوة أتى في سياق مشروع البحث الميداني الذي اشتغل عليه الفريق بدعم من جامعة ابن زهر، وقد كان وموضوعه " الوضعية الاجتماعية لطلبة جامعة ابن زهر وأثرها على التحصيل الدراسي".
ويعتبر مبحث القيم أحد المجالات البحثية لمشروع البحث باعتبار قضية القيم لها صلة وثيقة بالبعد الاجتماعي للطلبة.
ونظرا لأهمية موضوع القيم فقد تم أيضا تأسيس مختبر يضم الفريق السالف الذكر وفرق أخرى واسمه "مختبر القيم والمجتمع والتنمية" وهو يضم أعضاء من تخصصات مختلفة.
وفي الأخير فإن اللجنة المنظمة تقدم شكرها وتقديرها لكل من ساهم في إنجاز هذه الندوة العلمية الهامة، وخصوصا:
ـ جامعة ابن زهر في شخص رئيسها الدكتور عمر حلي والتي قدمت دعما ماليا للندوة.
ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير في شخص السيد العميد أحمد صابر التي احتضنت هذا النشاط العلمي ودعمته.
ـ فرع المنتدى الوطني للتعليم العالمي والبحث العلمي الذي دعم النشاط ماديا، وأسهم بخبرته في عقد لقاءات علمية في مجال القيم والبيداغوجية الجامعية.
ـ مختبر الأبحاث والدراسات في الجغرافية الذي أسهم ماديا في إنجاز هذه الندوة، وذلك من منطلق اشتغاله بقضايا السلوك المدني.
ـــــ تعريف بالمشاركين في الندوة، ونبذة موجزة عن عروضهم
شارك في أشغال الندوة العلمية باحثيين الجامعيون من تخصصات مختلفة، وقد تضمنت الجلسة الإفتتاحية كلمات كل من: السيد رئيس جامعة ابن زهر بأكادير، والسيد عميد كلية الآداب بأكادير، وكلمة اللجنة المنظمة للندوة.
كما توزعت أشغال الندوة على خمس جلسات علمية طيلة يومي الثلاثاء والأربعاء 03 و04 يناير 2012م وهي على الشكل الأتي:
ـ الجلسة الأولى محورها: سؤال القيم في الدين والفلسفة، ترأس أشغالها الدكتور مولاي ادريس الودغيري أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بأكادير، وألقيت خلالها العروض التالية:
ـ"تأملات جديدة في علاقة المعرفة بالقيم في الفلسفة التربوية الإسلامية"، للدكتور خالد الصمدي أستاذ بجامعة عبد الملك السعدي ومستشار المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالمغرب، تناول في تدخله علاقة القيم بالأخلاق والمبادئ، موضحا مجموعة من المصطلحات الرائجة في التربية والتعليم التي لها صلة بالقيم. ويرى الباحث أن دور التربية يكمن في تحويل الأخلاق إلى مبادئ، كما أن دلالة القيمة هي مطلقة في الزمان والمكان ولها دوائر أو مستويات أربع: فردية، إنسانية، وطنية، اجتماعية.
ـ"المعرفة، الذاكرة، والنسيان: نحو قراءة في قيم الذات والقيم الإنسانية " للدكتور عبد الكريم مدون، أستاذ بكلية الآداب شعبة التاريخ والحضارة بأكادير، وقد تناول في ورقته مجموعة من القضايا المرتبطة بالقيم من قبيل مسألة مرجعية القيم في تكوين الجامعة وصلتها بتكوين المعرفة، وهل القيم هي التي تتحكم في الإنسان أم أن الإنسان هو الذي يخلق قضايا الذات والهوية..
ـ"القيم من المنظور الفلسفي من خلال شايم برلمان"، للدكتور محمد أوبلوهو، أستاذ الفلسفة بكلية متعددة التخصصات بأسفي، تناول فيه مواقف الفلاسفة من مبحث القيم من خلال تقسيماتهم المعهودة للخطاب، وخاصة عند الفيلسوف واللغوي شايم برلمان.
ـ "القيم الأخلاقية ومواقف الإنسانية منها اتفاق أم اختلاف" للدكتور مبارك لمين أستاذ التاريخ والحضارة بكلية الآداب بأكادير، تتبع خلال عرضه موضوع القيم الأخلاقية الكونية، بدءا بتفكيك مكونات العنوان وتحديد المفاهيم، ومرورا بإبراز التوافق الإنساني الحاصل حول القيم الأخلاقية الكونية، وانتهاء بالوقوف على التحديات التي تعكر صفو هذا التوافق.
ـ "المناهج العلمية في دراسة القيم " عرض للدكتور عثمان آيت واراس، أستاذ الدراسات الإنجليزية بكلية متعددة التخصصات بورزازات، تطرق فيه إلى مدى إمكانية قياس القيم، والصعوبات التي تعترضه.
ـ "منظومة القيم والتنمية" عرض ألقاه الدكتور مصطفى اجعاد أستاذ الاقتصاد بكلية متعددة التخصصات بتارودانت، بين فيه أهمية القيم الأخلاقية والدينية في تشجيع الإبداع والتنمية الإقتصادية.
ـ الجلسة الثانية، كان موضوعها "سؤال القيم في التعليم الجامعي"، وقد ترأسها الدكتور خالد الصمدي، مستشار المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالمغرب، وقد وتوزعت أشغالها على العروض الآتية:
ـ "دور الجامعات في بناء المناهج الوسطية وتعزيز قيامها"، ألقاه الدكتور أحمد كروم، أستاذ الدراسات العربية بكلية الآداب بأكادير، يعرض البحث الإشكالات المباشرة وغير المباشرة في موضوع وسطية القيم وتفاعلاتها في زمن الحداثة والعولمة الذي يمورج بالصراعات الثقافية والقيمية، ولن تكون المجتمعات التقليدية بمعزل عن تلك الصراعات، وليس أمامها سوى تطوير المنظومات القيمية الخاصة بها، وتكييف الوافدة إليها مع مناهجها بما يوافق حاجاتها، ومنظورها.
ـ "وسائل الإعلام الاجتماعية ودورها في تغيير وبناء الهويات الرقمية لدى الشباب الجامعي" للدكتور عبد الرحيم عنبي، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب أكادير، تعرض الباحث في عرضه إلى التغيرات الاجتماعية والقيمية في المجتمع المغربي وإلى دور وسائل الإعلام الاجتماعية في إحداث هذا التغيير في صفوف طلبة الجامعة، مبنيا استنتاجاته العلمية على بحث ميداني سبق أن أجراه في وسط الشباب الجامعي.
ـ " الحرية الأكاديمية: مفهومها، أهميتها، وواقعها في الجامعات" للدكتور الحسن بنعبو، أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب أكادير، تناول في عرضه مفهوم الحرية الأكاديمية باعتبارها مكسبا تاريخيا للمجتمع الجامعي وهي حرية يتمتع بها الفاعلون في الحرم الجامعي زيادة على استفادتهم من الحريات العامة نظرا لخصوصية التدريس الجامعي، كما تناول عناصرها وواقعها في الجامعات المغربية.
ـ "القيم الأخلاقية في البحث العلمي"، ألقاه الدكتور مصطفى الطوبي، أستاذ الدراسات العربية، كلية الآداب بأكادير، تعرض في ورقته البحثية إلى مجموعة من السمات المنتهكة في البحث العلمي، والتي يجب التنبيه عليها من أجل درئها من مثل الأنانية في البحث، والعنف الفكري، وانتفاء الأهلية، والسرقات العلمية، والتحايل على التوثيق، وعدم الالتزام بالأمانة العلمية في النقل
ـ "التدريس الجامعي بين القيم العلمية والقيم الأخلاقية"، تناول فيه الدكتور عبد القادر محاين، أستاذ الجغرافية بكلية الآداب بأكادير واقع الأخلاق والقيم في التدريس الجامعي. مستشهدا بما آلت إليه أخلاق الأساتذة والطابة في الجامعة المغربية.
ـ الجلسة الثالثة حول: سؤال القيم في التعليم الجامعي (تابع)، ترأس أشغالها الدكتور عبد الجليل الإدريسي، نائب العميد المكلف بالمصاحبة الجامعية. وأستاذ الدراسات الفرنسية بنفس الكلية، وقد ألقيت خلالها المداخلات الآتية:
ـ "الأبعاد القيمية في التواصل الخاص بين الطالب والأستاذ: دراسة ميدانية" للدكتور محمد الغازي، أستاذ الدراسات الإنجليزية بنفس الكلية، حاول في عرضه الإجابة على جملة من التساؤلات والإشكاليات منها: ما هو واقع علاقة الأستاذ بالطالب في مؤسساتنا الجامعية؟ كيف ينظر إليها الطلبة؟ وما هي توجسات الأساتذة منها؟ كيف ندفع عن هذه العلاقة ما ليس منها؟ وما هي السبل الممكنة للارتقاء بها وتعزيزها؟ كيف نسهم في توضيح معالم هذه القضية في بناء تصور متكامل يعين على حل معضلة العلاقة بين التربية القيمية والتعليم؟ ثم كيف تساعد التكنولوجيا الحديثة على تطوير وتسهيل هذا التواصل الحيوي؟
ـ "الجامعة المغربية والحاجة إلى القيم" للدكتور خالد سامي، أستاذ بكلية العلوم بجامعة القاضي عياض مراكش، تناول الباحث في عرضه مفهوم القيم والتضارب الحاصل في دلالاتها، كما تطرق إلى واقع القيم في المؤسسات الجامعية، متحدثا عن انفصال المعرفة في الجامعة عن القيم أو حتى مجرد الانتباه إليها. ولا تعتبر منظومة القيم بحسب الباحث من اهتمامات المؤسسة الجامعية رغم إسهاب الوثائق والتشريعات الرسمية في استحضار القيم التي تروم المؤسسات الجامعية تحقيقها.
ـ "التحول القيمي بسوس وأثره على الشباب الجامعي: مقاربة أولية" للأستاذ عزيز البطوي باحث في الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بأكادير، قدم في هذه الورقة مشروع دراسة سوسيولوجية للتحول القيمي وأثره في الشباب الجامعي. تتجاوز المقاربة السطحية لظواهر التحول القيمي التي تعتمد على أحادية التفسير.
ـ "القيم وتدريس علوم التدبير: رؤى متقاطعة" للدكتور أحمد شاكر، أستاذ بالمدرسة الوطنية للتجارة والتدبير بأكادير. تطرق في عرضه إلى مدى اهتمام علوم التدبير بالقيم، وكيف أن مجال التدبير الاقتصادي عند الغربيين يطغى عليه الطابع المادي، كما تحدث الباحث عن المسؤولية الاجتماعية للمقاولة.
ـ أما الجلسة الرابعة فقد تمحورت مضامينها حول منظومة القيم في التعليم المدرسي والثانوي ترأس أشغالها الدكتور خالد سامي، وجاءت مداخلات الأساتذة الباحثين المشاركين فيها على النحو التالي:
ـ "حدود القيم في المناهج الدراسية بين التصور الكوني ومتطلبات الخصوصية " للدكتور الحسين الزاهدي، أستاذ علوم التربية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين باكادير، وقد رام في هذه المشاركة استشكال موضوع كونية القيم وخصوصيتها في المناهج الدراسية بالأسلاك التعليمية المختلفة في مرحلة ما قبل الجامعة، في ارتباطها بالفلسفة التربوية كما تم التنصيص عليها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، معتمدا على منهجية تحليل المضمون لعينة من الوثائق تغطي مواد التربية الاسلامية والفلسفة والاجتماعيات والتربية على المواطنة.
ـ "مفهوم التسامح بين خلفيات الإسقاط وأغراض التمرير" للدكتور إبراهيم أبو شوار، أستاذ علوم التربية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين باكادير، توسل في تحليل ورقته البحثية بالجهاز المفاهيمي لفقه الآليات سواء في ارتباطه بالمجال الفلسفي للتربية، أو بالإطار السياسي لخيارات التعليم من حيث الغايات، كما عمل على تقديم القيم المستهدفة في التعليم بحسب مجالاتها الأصلية، مع تقويم مدى نجاحها في احتمال تطبيع المتعلم بكفايات قيمية تراعي التوازن بين متطلبات الأصالة وملزومات الحداثة.
ـ "دور نظام المشيخة في تعليمنا العتيق في التربية على القيم على الفاضلة وترسيخها.."للدكتور حسن حميتو أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، وقد رام في موضوعه إلى إلقاء الضوء على جانب مهم من نجاحات التعليم العتيق، يتمثل في قدرة هذا التعليم على المحافظة على منظومة القيم الأخلاقية والتربوية الإسلامية الأصيلة المستمدة من دين الأمة وهويتها وأعرافها بشكل عملي تطبيقي.
ـ "القيم التربوية في التعليم الإسلامي" للدكتور علي بن بريك أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بأكادير، تناول الباحث في ورقته العلمية أهمية القيم في الدين والعلوم والفن، كما تحدث عن أهمية القيم العلمية في البحث العلمي المستمدة من أقوال وسيرة السلف الصالح، مستشهدا بنماذج من العلماء المشهورين في التاريخ الإسلامي من مختلف العلوم.
ـ وأخيرا الجلسة الخامسة، وقد خصصت أشغالها للحديث عن واقع القيم في المجتمع المغربي، ترأسها أشغالها الدكتور ابراهيم كيدو، أستاذ الجغرافية بنفس الكلية، وقد تضمنت المداخلات التالية:
ـ "القيم في المجتمع السوسي، المظاهر والتجليات"، ألقاها الدكتور احيا الطالبي، أستاذ الدراسات الإسلامية، بكلية الآداب بأكادير، تعرض الباحث في عرضه إلى القيم التي سادت المجتمع السوسي في جنوب المغرب، وتجذر القيم في لقبائل السوسية تجلى بحسب الباحث في أخلاقيات وقيم متداولة بين فئات المجتمع كصلة الرحم والعفو والصفح والإيثار والتواضع والحياء وغيرها...
ـ "جوانب من القيم المغربية عبر التاريخ" للدكتور عبد المجيد أمريغ، أستاذ التاريخ والحضارة بنفس الكلية، تطرق الباحث في عرضه إلى مجموعة من القيم التي سادت في المجموعات المخنلفة المكونة للمجتمع المغربي، كما تناول في عرضه العوامل المختلفة التي شكلت قيم مختلف مكونات المجتمع المغربي من قبيل الجوار والبيئة والموقع الجغرافي والإقتصاد.
منشورات مختبر القيم والمجتمع والتنمية
" نظرات نقدية في الفقه السياسي والآداب السلطانية "
للأستاذ الدكتور الحسن بنعبو
مقدمة الكتاب
أضحت العلاقة الجدلية بين "المثال والواقع" إشكالية جوهرية في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي؛ فقد كان الفقهاء يجدون أنفسهم باستمرار في مواجهة التقابل بين المثال الإسلامي الثابت كما يقدمه نص الوحي، وبين الواقع وإكراهاته. وقد عمل أكثر فقهاء المسلمين عند معالجتهم للإشكاليات والأزمات السياسية التي عرفتها الأمة الإسلامية طيلة تاريخها على الموازنة بين مقاصد النص وضرورات الواقع.
وقد ظل الفقيه يتراوح بين النص والواقع مستنبطا ومبينا ومطبقا؛ مع حرص شديد على تحقيق التطابق بين المثال والامتثال، فالمثال يشدُّه إلى الثبات، ويخيفه من الاسترسال في إعمال العقل، أو الإسراف في التفكير، بينما الواقع يضغط عليه بمشاكله المتجددة التي يجب التفكير فيها بمسؤولية وجدية.
وفي هذا السياق أتى تدوين الفقهاء لمصنفات اشتملت على أحكام وأدبيات في شؤون الحكم وتسيير الإمارات، يُراد منها التوفيق بين متطلبات السياسة الشرعية وإمارة الاستيلاء، وذلك بعد ما استيقنوا من أنّ عهد الخلافة قد مضى، بل حتى أمل تطبيق الشريعة أصبح في عداد الأماني المعسولة، وأن نظام السلطنات غدا أمرا واقعا يبسُط هيمنته على أمور الحكم، لذلك وجب في نظرهم التعامل مع الأحداث التي نزلت بالأمة بواقعية وعقلانية، لا التحليق في فضاء المثاليات دون وعي بمقتضيات الواقع وإكراهاته، ودون المبالغة في تسويغ الواقع والعلوق في إساره.
نثير هذا الموضوع في سياق الجدل الراهن المثار حول مدى أصالة الفكر السياسي الموروث ومدى التزامه بالنص الشرعي، وقد تأوَّلته بعض النخب الفكرية الإسلامية بما يدافعون به عن الإسلام أمام هجمات التيارات العلمانية، وتطلبت تلك المدافعة تكييف التاريخ السياسي للمسلمين مع روح العصر ووفق تصورات جديدة، على أنهم مازالوا يشعرون بالحرج في الخروج من أسر التراث السياسي فضلاً عن نقده وتقويمه.
وقد يبلغ ببعضهم التمسك بالموروث الفقهي السياسي إلى مداه حينما يتحول إلى مسلمة عقدية ومعرفية يعاد إنتاجها بصيغتها المنظومية القيَمية والمعرفية كما هي موروثة عن السابقين، في حين أن إحداث نهضة إسلامية معاصرة تتطلب منا قراءات نقدية تقويمية وجريئة لذلك الموروث الفكري السياسي.
وهذه الكتاب يروم بيان مدى هيمنة الواقع السياسي المتأزم في التاريخ الإسلامي، وقدر استحكامه في رؤية الفقيه في التوفيق بين مقتضيات النص الشرعي وإكراهات الواقع السياسي، وكيف كان النص يتأخر حين يُراد له أن يتأخر، ويتقدم حين يراد له تسويغ الأمر الواقع..
والله ولي التوفيق
مؤلف
تحت عنوان: "تحفة الطالبين في إعراب قوله تعالى: إن رحمة الله قريب من المحسنين"،
تقديم وتحقيق الباحث بالمختبر الدكتور جمال موحيب
وتحت إشراف الأستاذ الدكتور عبد الواحد الجهداني.
من منشورات مختبر القيم والمجتمع والتنمية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير
منشورات مختبر القيم والمجتمع والتنمية
بدعم من المركز الوطني للبحث العلمي والتقني المغربي
للباحث بالمختبر الدكتور محمد علي أمسكين
تم إنجازه في إطار مشروع ابن خلدون: الروابط الدينية بين المغرب ودول غرب أفريقيا وآفاق استثمارها