العدد الثالث لأبحاث

تقديم

العدد الثالث لأبحاث


تتقدم المجتمعات بتقدم العلم والمعرفة وتتحرر من الفقر والتبعية باتساع دائرة الأطر القادرين على التفكير و الإبداع والإنتاج، وإذا كانت العديد من العوامل تسهم في تطور المجتمعات، فإن أحد العوامل الرئيسة هو الاستثمار في الرأسمال البشري عبر التكوين والتكوين المستمر وعبر فتح فرص التعليم والبحث العلمي وتمكين الباحثين والعلماء من الإمكانيات المادية وتوفير شروط التفكير الحر والمبدع. وإن الرهان على العلم والمعرفة لم يخسر يوما في تاريخ البشرية، وقد كانت الجامعة دوما وما تزال مؤسسة توفر إمكانيات الدفع بالمجتمع نحو تحقيق أهدافه التنموية على مختلف المستويات.

وإن أكثر ما يحتاج إليه مجتمعنا اليوم بمختلف مؤسساته وتنظيماته هو الأطر المكونة والمبدعة، الأطر القادرة على التكيف مع مختلف الشروط والمستعدة لتطوير الفعل والأداء، وما تزال الجامعة المغربية اليوم ورغم كل الإكراهات الخزان الأساس الذي يفيد المجتمع بمخرجاته، وهي لذلك تحتاج إلى انخراط الفاعلين الأساسين والتزامهم في سيرورة البناء، بناء المجتمع، وهو يمر بالضرورة عبر تطوير التكوين الأكاديمي والبحث العلمي في فضاء الجامعة.

ولا شك أن المنابر العلمية بالجامعة هي أحد العناصر المساهمة في تطوير مردوديتها، فالمجلات العلمية بالجامعة تسمح بتوسيع دائرة النقاش والتداول في القضايا الفكرية والعلمية التي تشغل مجتمعنا، كما أنها تشكل جسر التواصل بين الباحثين و المهتمين و تفتح إمكانية المراكمة ومحاورة الإنتاجات العلمية، وتسهم في خلق دينامية فكرية تستقطب الباحثين وتسمح بتطورهم و تنمية الإنتاج الأكاديمي العلمي.

وفي هذا الإطار، عمد مختبر القيم والمجتمع والتنمية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر، ومنذ تأسيسه، على خلق مساحات للباحثين و الباحثات من تخصصات مختلفة من خلال تأسيسه مجلة " أبحاث في العلوم الإنسانية والاجتماعية " ودأبه على نشر أعمال وإبداعات الأساتذة الباحثين فيمجال العلوم الإنسانية والاجتماعية.

وتتعدد المواضيع في هذا العدد الثالث من المجلة، كما تتنوع الحقول المعرفية لأبحاث المقترحة، وثمة هدف يجمع بينها أيضا وهو هم تعميق المعرفة بموضوع محدد ومحاولة التواصل حوله مع كل الباحثين والمهتمين، ففي هذا العدد نجد من يحاور النظرية ومن يحاور المفاهيم ومن يحاور واقع الممارسات والفعل، أكان ذلك في التاريخ الماضي أم في الحاضر المعيش.

يقتـرح الدكتور عزيز البطيوي موضوعا حول "مفاهيم النقد الثقافي المابعد الكولونيالي وإعادة تحديد هوية السوسيولوجيا" منخرطا بذلك في التداول حول حقل أساسي من حقول العلوم الاجتماعية وهو السوسيولوجيا. ينطلق الباحث بتوضيح أهمية المفاهيم، فهي السبيل لضبط العلوم و استيعاب النظريات، بل هي تمثل رؤية ما للعالم وهي هنا تمكن من وعي الأصول الفلسفية و التاريخية والأسس الأبستمولوجيا لنظرية ما بعد الاستعمار، و قد سعى الباحث للتحقق من فرضية أساسية تتعلق بمدى تعبير مفاهيم النظرية النقدية لدى مثقفي نظرية ما بعد الاستعمار عن أزمة العلوم الإنسانية في عصر العولمة وما بعد الحداثة، وتحديدا السوسيولوجيا، ومدى إسهام مفاهيم هذه النظرية في تجاوز الحدود البينية التي رسخها النموذج الغربي في الفكر الحديث بحقوله المعرفية المتنوعة والذي لم يخرج عن المركزية الغربية. ويشير في نهاية مقالته إلى أنه ليس من الضروري الخروج بخاتمة للنقاش السوسيولوجي بقدر ما يجب فتح الطريق أمام تصورات وآفاق جديدة و محاولة تجديد آليات النقد الثقافي والتحليل السوسيولوجي بما يواكب اللحظة التاريخية لمجتمعاتنا ولغيرنا.

كما يستهل الدكتور عبد الرحمان الماحي مقاله "منزلة التربية في فكر الشيخ الرئيس ابن سينا" بنبذة موجزة عن الفيلسوف، مشيرا إلى غزارة إنتاجه و تنوعه، وهو ما يجعل مهمة الكشف عن مساحة التربوي في هذا الفكر الموسوعي أمرا يتطلب البحث والتنقيب في مجموع إنتاجه. يؤسس الباحث منذ البداية لتعاقد منهجي يقوم على ضرورة التزام الحذر إنصافا للفيلسوف و ذلك عبر الوفاء لتاريخية أفكاره، كما يطرح الباحث هنا عدة أسئلة تتمحور حول سؤال مركزي: كيف تصور ابن سينا التربية و ما هي نظريته في التعليم؟ وقد خلص بعد تتبعه لإنتاجات الفيلسوف المتعلقة بالتربية و التعليم إلى أن فلسفة ابن سينا التربوية مرتبطة بفلسفته السياسية و نظريته للإنسان وأن نسقية أفكاره تعطيها طابع النظرية، فقد تطرق ابن سينا لعناصر أساسية من قبيل مواصفات المعلم والمراحل التعليمية و وسائل التربية والتعليم ولذلك يظل هذا الإرث حسب الباحث مثار تفكير وتقعيد لدى كثير من البيداغوجيين المعاصرين.

يقدم الدكتور الحسين زاهدي مساهمته حول "التعارف والتواصل والبحث عن المعنى" منطلقا من السؤال حول المعنى ومركزا على المعنى كعماد للتواصل و أساس للتعارف بين البشر أفرادا وجماعات و مهتما أساسا بالتواصل بين الشعوب و الأمم والتواصل بين الحضارات والثفافات بأبعادها العميقة والمختلفة، كما يقر الباحث أنه من الصعب إجمال خصائص المعنى وصفاته و لذلك يورد ما يجده ضروريا فقط، فيشير إلى كون المعنى هو دائم التشكل و ليس معطى ثابتا والمعاني تتجاوب مع محيطها اللساني ومع الموقف التواصلي بكل أبعاده، وإلى كون المعنى يتميز بالغموض و الالتباس، فهو ليس شفافا.

كما تقدم الدكتورة حبيبة حفصاوي في دراستها "تعاونيات النساء للأركان بجنوب المغرب، دراسة في إمكانات التغيير و حدوده" تحليلا لواقع هذه التعاونيات إن على مستوى ما يحصل داخل التنظيم التعاوني أو على مستوى علاقتها مع المحيط، وقد ركز الباحثة على ما أحدثه انخراط نساء قرويات في تجربة عمل مؤدى عنه من تغيير في شروط عيشهن وعيش أسرهن وتقدم محاولة لفهم العناصر التي تعزز التغيير في حياة المتعاونات وفي إمكانات التعاونيات كما العناصر التي تحد من هذا التغيير و تؤثر سلبا على طبيعته وحجمه.

يتناول الدكتور محمد لملوكي موضوع "المدن العتيقة بالمغرب: موروث معماري ومخزون قيمي" مبرزا أهمية الموروث الثقافي والحضاري للمغرب وما تتوفر عليه المدن العتيقة من غنى ثقافي و معماري وأيضا من مخزون من القيم و فنون العيش، و يشير الباحث إلى أن هذه المدن تتوزع على المجال الترابي للمغرب كما تتوزع على مجمل المراحل التاريخية، وهي تختلف من حيث الحجم المرفولوجي ومن حيث الدور التاريخي الذي لعبته على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والروحي. كما تطرق الباحث إلى تصنيف المدن العتيقة القائمة حاليا من حيث هي مدن منشأة أو عفوية أو مدن مندرسة أو مدن ذات مظهر مزدوج محلية وأوروبية. هنتك تفلك

يتطرق الدكتور عبد المجيد أمريغ لموضوع "الصيد بشمال إفريقيا القديمة" ليوضح مدى أهمية الثروة الحيوانية التي كانت موجودة بشمال إفريقيا وتطور الصيد إلى جانب أنشطة أخرى مرتبطة بهذه الثروة، كما يشير الباحث إلى تنوع الحيوانات وتعدد طرق وتقنيات الصيد واختلاف الأهداف والوظائف التي يؤديها الصيد. فقد يكون حرفة عند بعض سكان إفريقيا وقد يشكل هواية عند كبار الملاكين، كما أنه قد يساعد على إبراز القوة والمكانة مثل صيد الأسود عند أمراء النوميديين، وهو عمل مثمن كما عند الليبيين الذين يمجدون من قتل أثناء صيد الفيلة.

وأخيرا يتناول الباحث الحسن بن النجيم في مقالته العلمية القبيلة في الفضاء السوسي محاولا الإجابة عن جملة من التساؤلات التي تتمحور حول مفهوم القبيلة، وتتجلى أهمية القبيلة بحسب الباحث في كونها تحكمت في جميع سلوكيات الأفراد كما الجماعات، وفهم الأوضاع السياسية في المغرب رهين بفهم الذهنية القبلية ومستوياتها المختلفة. والباحث عمل على توضيح أهمية القبيلة في تشكل الهوية والعقلية السوسية عبر الزمن.

وكما سبقت الإشارة، فإن الأبحاث المنشورة في هذا العدد تنتمي لحقول علمية مختلفة و مجالات اهتمام متعددة، نأمل أن تكون جزءا من مشروع تطوير البحث العلمي وتعميق المعرفة ونشرها، وذلك من خلال فتح إمكانات التداول والنقاش في القضايا التي تثيرها.

هيئة التحرير

محتوى العدد الثالث

أنقر على العنوان لتحميل البحث


عزيز البطيوي

منزلة التربية في فكر الشيخ الرئيس.............................................................................25

عبد الرحمان الماحي

التعارف والتواصل والبحث عن المعنى............................................................................39

الحسين زاهدي

حبيبة حفصاوي

المدن العتيقة بالمغرب موروث معماري ومخزن قيمي.....................................................91

محمد لملوكي

الصيد بشمال إفريقيا القديمة...................................................................................107

عبد المجيد أمريغ

القبيلة في المجتمع المغربي بين المفهوم النظري والواقع التاريخي: القبيلة السوسية في القرنين 18- 19 الميلاديين.......................................................................................119

الحسن بن النجيم